فصل: واسط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: آثار البلاد وأخبار العباد **


 واسط

مدينة بين الكوفة والبصرة من الجانب الغربي كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏

تشقها دجلة‏.‏

وإنها في فضاء من الأرض صحيحة الهواء عذبة الماء وكثيراً ما يفسد هواؤها باختلاف هواء البطائح بها فيفسده‏.‏

وأما نفس المدينة فلا يرى أحسن منها صورة فإن كلها قصور وبساتين ومياه وعيبها أن حاصلها يحمل إلى غيرها فلو كان حاصلها يبقى في يد أهلها لفاقت جميع البلاد‏.‏

بناها الحجاج سنة أربع وثمانين وفرغ منها سنة ست وثمانين وسكنها إلى سنة خمس وتسعين وتوفي في هذه السنة‏.‏

وحكي عن سماك بن حرب انه قال‏:‏ استعملني الحجاج على ناحية نادوربا فبينا أنا يوماً على شاطيء دجلة إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي فأجبت فقال‏:‏ الويل لأهل مدينة تبنى ههنا‏!‏ ليقتلن فيها ظلماً سبعون ألفاً‏!‏ كرر ذلك ثلاث مرات ثم أقحم فرسه في دجلة وغاب في الماء‏.‏

فلما كان العام القابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل صاح بي كما صاح وقال كما قال وزاد‏:‏ سيقتل ما حولها ما يستقل الحصى لعددهم‏!‏ ثم أقحم فرسه في الماء وغاب‏.‏

فلما بنى الحجاج واسطاً أحصي في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا دين ولا تبعة وأحصي من قتله صبراً فبلغوا مائة وعشرين ألف إنسان‏!‏ وحكي انه كان يقرأ القرآن فانتهى إلى قوله تعالى‏:‏ انه عمل غير صالح‏.‏

فاشتبه عليه انه قرأ اسماً أو فعلاً فبعث إلى بعض المقرئين وأمر بإحضاره ليسأل عنه فلما حضر المقريء قام الحجاج من مجلسه فقال الأعوان‏:‏ كيف نعمل به وقد طلبه الحجاج فأوقفوه حتى يتبين أمره فبقي في الحبس ستة أشهر إلى أن فرغ الحجاج في النظر إلى المحبوسين فلما انتهى إلى اسمه سأل عن ذنبه فقالوا‏:‏ لا نعرف‏!‏ فأمر بإحضاره وقال له‏:‏ على أي شيء حبست قال‏:‏ على ذنب ابن نوح‏!‏ فضحك الحجاج وخلى سبيله‏.‏

ينسب إليها جماعات من القراء يعرفون علم القراءة السبعة والعشرة والشواذ منهم أبو العز القلانسي حكي انه جاءه رجل وقال له‏:‏ أنت القلانسي المقريء قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ إني أريد أن أقرأ عليك قراءة القرآن‏.‏

قلت له‏:‏ كيف اخترت هذه القراءة قال‏:‏ إني سمعتها في بعض أسفاري عن رجل فأعجبتني‏.‏

فقلت له‏:‏ على من قرأتها قال‏:‏ على القلانسي‏.‏

فكان يأتيني كل يوم آخر النهار‏.‏قلت‏:‏ ائتني أول النهار‏.‏فقال‏:‏ أرضي شاسعة‏.‏

فكنت أدخل داري وأغلق الباب وأصعد السطح فأراه داخل الدار فأقول له‏:‏ كيف دخلت والباب مغلق فيقول‏:‏ ما كان مغلقاً‏.‏

فلما ختم قال لي‏:‏ اكتب خطك اني قرأت عليك‏.‏

فقلت‏:‏ ما لي عادة أكتب خطي إلا بخمسة عشر ديناراً‏.‏

فجاءني بجدع من العود وقال‏:‏ خذ هذا واكتب لي خطك‏.‏

فأخذت وكتبت والجدع كان يسوى حمله‏.‏

وكان زمن الناصر لدين الله فأشهر هذا الحديث واشترى الجدع مني‏.‏

وينسب إليها أبو الحسين بنان بن محمد بن حمدان الحمال‏.‏

ذهب إلى مصر فأمر ابن طولون صاحب مصر بالمعروف فغضب عليه وأمر بإلقائه بين يدي السبع فكان السبع يشمه ولا يضره‏.‏

فلما أخرج من بين يدي السبع قالوا له‏:‏ ما الذي كان في قلبك وقت يشمك السبع قال‏:‏ كنت أتفكر في سؤر السبع ولعابه أطاهر أم لا وحكى عمر بن محمد بن عراك انه كان لرجل على رجل مائة دينار بوثيقة فكان يطلب الوثيقة ولم يجدها فجاء إلى بنان الحمال أن يدعو له فقال له بنان‏:‏ إني رجل شيخ أحب الحلاوى فاشتر لي رطل حلواء حتى أدعو لك‏!‏ فذهب الرجل واشترى الحلواء وجعله في وسط القرطاس فجاء به فقال له بنان‏:‏ افتح القرطاس‏.‏

ففتحه فإذا القرطاس في وسطه الوثيقة‏.‏

فقال‏:‏ هذه وثيقتي‏!‏ فقال له بنان‏:‏ خذ وثيقتك واطعم الحلاوى صبيانك‏.‏

توفي بمصر سنة ست عشرة وثلاثمائة‏.‏

وحكي انه احتاج إلى جارية تخدمه فانبسط مع إخوانه فجعلوا له ثمن جارية وقالوا‏:‏ إذا جاء السفر تكون معه جوار نشتري لك منهم جارية‏.‏

فلما جاء السفر ومعه جوار اجتمعوا على واحدة وقالوا‏:‏ انها صالحة له‏.‏

فقالوا لصاحبها‏:‏ بكم تبيعها فقال‏:‏ انها ليست للبيع‏.‏

فألحوا عليه فقال‏:‏ إنها لبنان الحمال بعثتها له امرأة من سمرقند فحملت إلى بنان وذكرت له القصة‏.‏

وينسب إليها يزيد بن هارون‏.‏

كان عالماً عابداً مقرئاً محدثاً‏.‏

قال‏:‏ سافرت عن أهلي في طلب الحديث سنين كثيرة فلما عدت إلى بغداد سمعت أن بعسكر أحد التابعين فمشيت إليه فقال‏:‏ حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من ابتلاه الله ببلاء فليصبر ثم ليصبر ثم ليصبر‏!‏ وقال‏:‏ ما أحدثك غير هذا‏.‏

قال‏:‏ فعدت إلى واسط ووصلت ليلاً ووقفت على بابي كرهت دق الباب كراهة انزعاج القوم فعالجت فتح الباب ودخلتها‏.‏

وكان أهلي على السطح فصعدت السطح فوجدت زوجتي نائمة وبجنبها شاب فأخذت حجراً وقصدت أضرب به فتذكرت الحديث الذي سمعت من العسكري ثم قصدت ثانياً وثالثاً فتذكرت الحديث ثانياً وثالثاً فانتبهت زوجتي فلما رأتني أيقظت الشاب وقالت‏:‏ قم إلى أبيك‏!‏ إني تركتها املاً فعلمت أن ذلك من بركة حديث العسكري‏.‏

وحكي أنه رئي في النوم بعد موته فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي قيل‏:‏ بأي شيء قال‏:‏ بالقرآن والحديث ودعاء السحر‏.‏

فقيل له‏:‏ هل أخذ عليك شيئاً قال‏:‏ نعم قال لي تروي الحديث عن حريز بن عثمان وهو يبغض علي بن أبي طالب‏.‏

وأتاني الملكان وقالا‏:‏ من ربك قلت‏:‏ أنا يزيد بن هارون أما تريان هذه اللحية البيضاء تسألاني عن الذي كنت أدعو الناس إليه سبعين سنة‏!‏ فقالا‏:‏ نم نومة العروس لا يوقظها إلا من هو أحب إليها‏.‏

 ورجند

قرية من أعمال همذان‏.‏من عجائبها أن من به علة البواسير والأطباء عجزوا عن معالجتها يمشي إلى ورجند يعالجه أهلها فيبرأ بأيام قلائل‏.‏

قالوا‏:‏ إن لأهلها في ذلك يداً باسطة من مشى إليها عالجوه وذلك برقية عندهم وحشيش يدخنونه بالحشيشة ويقرأون عليه الرقية فينتفع في أيام قلائل‏.‏

وهو مشهور عندهم‏.‏مدينة عظيمة من مدن خراسان‏.‏

ما كان بخراسان مدينة أجل ولا أعمر ولا أحصن ولا أكثر خيراً منها‏.‏

بها بساتين كثيرة ومياه غزيرة‏.‏

بناها الاسكندر ولما دخل بلاد الشرق ذاهباً إلى بلاد الصين أمر كل قوم ببناء سور يحصنهم عن الأعداء‏.‏

وعلم أن أهل هراء قوم شماس عندهم قلة القبول فعين لهم مدينة بطولها وعرضها وسمك حيطانها وعدد أبوابها ليوفيهم أجورهم عند عوده‏.‏

فلما رجع قال‏:‏ ما أمرت على هذه الهيئة وأظهر الكراهية وما أعطاهم شيئاً‏.‏

ومن عجيب ما ذكر أن هراة كانت في يد سلاطين الغور بني سام فجاءها خوارزمشاه محمد نزل عليها يحاصرها وكانت العجلة تمشي على سورها لفرط عرضه‏.‏

فأمر خوارزمشاه بنصب المنجنيق عليها وأشار بمقرعته إلى برج من أبراجها فكما أشار إليه انهار ذلك البرج فاستخلصها من ذلك الموضع وعد ذلك من عجيب آثار دولته‏.‏

ومن عجائبها أرحية مبنية على الريح تديرها الريح بنفسها كما يديرها الماء ويحمل منها إلى سائر البلدان كل ظريف سيما الأواني الصفرية المطعمة بالفضة وأنواع الدبابيج والحواصل ومن المأكول الزبيب والمشمش قال الأديب الزوزني‏:‏ هراة أردت مقامي بها لشتّى فضائلها الوافره‏:‏ ولم تزل هراة من أحسن بلاد الله حتى أتاها عين الزمان عند ورود التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان‏.‏

وحكى من كان بها أن التتر لما نزلوا عليها راسلهم أحد أعيان المدينة أن يفتح لهم باباً من أبوابها على شرط أن يأمن هو وأهله فأجابوه إليه فلما فتح لهم دفعوا إليه رجلاً ليقف على باب داره ويمنع التتر من دخولها‏.‏

وكان لصاحب الدار نسيب بعث إليه أن عجل إلى داري بأهلك فإنها مأمن‏.‏

فقال النسيب‏:‏ ان حالوا بيننا وبينكم فأرسل الرجل التتري إلينا ليحملنا إليكم‏.‏

فأرسله إليهم فلما غاب عن باب داره نزل عليها قوم من التتر وقتلوا كلهم‏.‏

فلما جاء الرجل التتري بالنسيب وجد القوم قتلوا عن آخرهم فتركهم ومر على وجهه وقتل النسيب أيضاً ولم ينج منهم أحد‏.‏

وينسب إليها إبراهيم ستنبه من البراهمة الأربعة الذين يشفع بهم إلى الله تعالى وهم‏:‏ إبراهيم بن أدهم بمكة وإبراهيم الخواص بالري وإبراهيم شيبان بقرميسين وإبراهيم ستنبه بقزوين‏.‏

حكى إبراهيم بن دوحة قال‏:‏ دخلت مع إبراهيم ستنبه بادية مكة وكان معي دينار ذهب فقال لي‏:‏ اطرح ما معك فطرحته‏.‏

ثم قال لي‏:‏ اطرح ما معك فما كان معي إلا شسع نعل فطرحته‏.‏

فما احتجت في الطريق إلى شسع إلا وجدته بين يدي فقال‏:‏ هكذا من يعامل الله صدقاً‏!‏ وحكى بعضهم قال‏:‏ كنا عند مسجد أبي يزيد البسطامي فقال لنا‏:‏ قوموا نستقبل ولياً من أولياء الله تعالى‏.‏

فمشينا فإذا هو إبراهيم ستنبه الهروي فقال له أبو يزيد‏:‏ وقع في خاطري أن أستقبلك وأشفع لك إلى ربي‏!‏ فقال له إبراهيم‏:‏ لو شفعت لجميع الخلق ما كان كثيراً فإنهم كلهم قطعة من طين‏.‏

فتحير أبو يزيد من حسن جواب إبراهيم وقال‏:‏ اللهم ارفع درجاتهم وانفعنا بمحبتهم ومحبة أمثالهم‏!‏

 همذان

مدينة مشهورة من مدن الجبال‏.‏

قيل‏:‏ بناها همذان بن فلوج بن سام بن نوح عليه السلام‏.‏

ذكر علماء الفرس أنها كانت أكبر مدينة بأرض الجبال وكانت أربعة فراسخ في مثلها فالآن لم تبق على تلك الهيئة لكنها مدينة عظيمة لها رقعة واسعة وهواء لطيف وماء عذب وتربة طيبة ولم تزل محل سرير الملوك ولا حد لرخصها وكثرة الأشجار والفواكه بها‏.‏

أهلها أعذب الناس كلاماً وأحسنهم خلقاً وألطفهم طبعاً‏.‏

ومن خصائصها ألا يكون الإنسان بها حزيناً ولو كان ذا مصائب‏.‏

والغالب على أهلها اللهو والطرب لأن طالعها الثور وهو بيت الزهرة والغالب على أكثرهم البلاهة ولهذا قال قائلهم‏:‏ وحكي أن دارا لما تأهب لمحاربة الإسكندر أحكم عمارة همذان وجعل في وسطها حصناً لحرمه وخزانته ووكل بها اثني عشر ألف رجل من ثقاته لحفظها متى قصدها قاصد وذهب إلى قتال الإسكندر‏.‏

فلما قتل دارا في القتال بعث الإسكندر إلى همذان قائداً اسمه صقلاب في جيش كثيف فحاصرها فلما عجز عنها أخبر الإسكندر بحصانة الموضع وعجزه عنه فكتب إليه الإسكندر أن صور المدينة بجبالها ومياهها وعيونها وابعث بالصورة إلي وأقم هناك حتى يأتيك أمري‏.‏

ففعل صقلاب ذلك فأرسلها الإسكندر إلى أستاذه أرسطاطاليس وقال له‏:‏ دبر لي فتح هذه المدينة‏.‏

فأمره أرسطاطاليس أن يحبس مياهها حتى يجتمع منها شيء كثير ثم يرسلها إلى المدينة‏.‏

ففعل صقلاب ذلك كما قال فهدم سورها وحيطانها فدخلها صقلاب وسبى ونهب وبقيت المدينة تلاً وأما المدينة الموجودة في زماننا هذا فلا شك في أنها أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها ولهذا لم تزل محل الملوك ولكل ملك من ملوك الجبال بها قصر يأتيه فصل الربيع والصيف‏.‏

فإنها في هذين الفصلين تشبه الجنة في طيب هوائها وبرودة مائها وكثرة فواكهها وأنواع رياحينها قال محمد ابن بشار‏:‏ ولقد أقول تيامني وتشامي وتواصلي ديماً على همذان فإذا تبجّست الثّلوج تبجّست عن كوثرٍ شبمٍ وعن حيوان فكسا الرّبيع بلادها من روضةٍ يفترّ عن نفلٍ وعن حوذان حتى تعانق من خزاماه الّذي بالجلهتين شقائق النّعمان بها ناحية ماوشان وهي كورة بقرب همذان‏.‏

فراسخ في فراسخ يمشي إليها أهل همذان أوان الصيف وقت إدراك المشمش‏.‏

وحكي أن أعرابياً أقام بهمذان سنين فسئل عن همذان فقال‏:‏ أقمت بها سبعاً كانوا يقولون الصيف يجيء وما جاء وذلك لأن الأعرابي رأى صيف الحجاز وصيف همذان يكون مثل شتاء الحجاز‏.‏

وحكى عبد القاهر بن حمزة الواسطي صفة همذان في الشتاء فقال‏:‏ خص الله همذان في الشتاء من اللعن بأوفره ومن الطرد بأكثره فما أكدر هواءها وأشد بردها وأذاها وأكثر مؤونتها وأقل منفعتها‏!‏ سلط الله تعالى عليها الزمهرير الذي أعده للكفار والعتاة من أهل النار‏.‏

إذا هاجت الرياح العواصف وحدثت البروق والرعود القواصف وقعت الثلوج والدمق وعم الاضطراب والقلق وانقطعت السبل وعم طرقاتها الوحل فترى وجوه أهلهم متشققة وشعورهم من البرد متفتقة وأنوفهم سائلة وحواسهم زائلة وأطرافهم خضرة وروائحهم قذرة ولحاهم دخانية وألوانهم باذنجانية‏.‏

وهم في شتائهم في الأليم من العذاب والوجيع من الحظ والعقاب‏.‏

وأي عذاب أشد من مقاساة العدو الحاصر والكلب الكلب الحاضر قال أحمد بن بشار يصف همذان‏:‏ لقد أتى همذان البرد فانطلق وارحل على شعب شملٍ غير متّفق أرضٌ يعذّب أهلوها ثمانيةً من الشّهور بأنواعٍ من الوهق فإن رضيت بثلث العمر فارض بها وقد تعدّ إذاً من أجهل الحمق إذا ذوى البقل هاجت في بلادهم من جربيائهم مشّاقة الورق فالبرد يرمي سهاماً ليس يمنعها من المروق بلبس الدّرع والدّرق حتّى تفاجئهم شهباء معضلةٌ تستوعب النّاس في سربالها اليقق أمّا الغنيّ فمحصورٌ يكابدها طول الشّتاء مع اليربوع في نفق والمملقون بها سبحان ربّهم ممّا يقاسون من بردٍ ومن أرق فكلّ غادٍ بها أو رائحٍ تعبٌ ممّا يكابد من بردٍ ومن دمق فالماء كالصخر والأنهار جامدةٌ والأرض عضّاضةٌ بالضرس في الطّرق فإذا انتقلت الشمس إلى برج الحمل وقد امتلأت دروبهم من الثلج حتى سد عليهم الطرق فيه من الثلج ويذهب به ويكون ذلك اليوم عيداً عظيماً عندهم يسمونه حمل بندان فصعدوا سطوحهم بالغناء والرقص في كل محلة واتخذوا من الثلوج شبه قلاع يرقصون عليها والماء يدخل عليهم ويرميهم وهم على تل الثلج فيقعون في وسط الماء والثلج فيدخل الماء درباً درباً حتى تنقى المدينة كلها من الثلج‏.‏

ومن عجائبها أسد من صخر على باب المدينة عظيم جداً‏.‏

حكى الكيا شيرويه أن سليمان بن داود عليه السلام اجتاز بموضع همذان قال‏:‏ ما بال هذا الموضع مع كثرة مائه وسعة ساحته لا تبنى به مدينة قالوا‏:‏ يا نبي الله إن ههنا لا يكون مقام الناس لأن البرد به شديد والثلج به يقع قدر قامة رمح‏.‏

فقال عليه السلام لصخر الجني‏:‏ هل من حيلة فقال‏:‏ نعم يا نبي الله فاتخذ أسداً من صخر ونصبه طلسماً للبرد وبنى مدينة همذان‏.‏

وقال غيره‏:‏ إنه من علم بليناس صاحب الطلسمات حين طلبه قباذ ليطلسم بلاده وكان الفارس يغرق في الثلج بهمذان فلما عمل هذا الأسد قل ثلجها‏.‏

وقالوا‏:‏ عمل على يمين الأسد طلسماً للحيات فقلت وآخر للعقارب فنقصت وآخر للبراغيث فهي قليلة بها جداً قال ابن حاجب يذكر الأسد‏:‏ ألا أيّها اللّيث الطّويل مقامه على نوب الأيّام والحدثان أراك على الأيّام تزداد جدّةً كأنّك منها آخذٌ بأمان أقبلك كان الدّهر أم كنت قبله فنعلم أم ربّيتما بلبان بقيت فما تفنى وآمنت عالماً سطا بهم موتٌ بكلّ مكان فلو كنت ذا نطقٍ جلست محدّثاً تحدّثنا عن أهل كلّ زمان ولو كنت ذا روحٍ تطالب مأكلاً لأفنيت أكلاً سائر الحيوان أحبّبت شرّ الموت أم أنت منظرٌ وإبليس حتى يبعث الثّقلان فلا هرماً تخشى ولا الموت تتّقي بمضرب سيفٍ أو شباة سنان وحكي انه لما كان سنة تسع عشرة وثلاثمائة عصى أهل همذان على مرداويج الديلمي وكان صاحب الجبال فدخل همذان ونهبها وسأل عن الأسد فقيل‏:‏ انه طلسم لدفع الآفات عن المدينة‏.‏

فأراد حمله إلى الري فلم يتمكن من ذلك فأمر بكسر ديه بالفطيس‏.‏

قيل‏:‏ إنما كسر يديه لأن الدواب كانت تنفر منه‏.‏

وحكي أن المكتفي بالله نظر إليه فاستحسنه فأمر بنقله على عجلة تجرها الفيلة إلى بغداد فهم عامل البلد بذلك فاجتمع وجوه تلك البلاد وقالوا‏:‏ هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة‏.‏

فكتب العامل بذلك إلى الخليفة وصعب عليه بعثه فعفا عنهم‏.‏وحكي أن في زماننا عدا رجل في وسط همذان ويقول‏:‏ يا قوم ادركوا الأسد فإني رأيته يهرب‏.‏

فخرج من المدينة خلق كثير فرأوا الأسد بحاله فيقول بعضهم‏:‏ عدا من ثم إلى ههنا‏.‏

وهذا دليل على بلاهة القوم‏.‏

وينسب إليها أبو الفضل بديع الزمان‏.‏

كان أديباً فاضلاً ظريفاً والمقامات التي جمعها دلت على غزارة فضله وفصاحة كلامه ولطافة طبعه‏.‏

ولهذا قال أبو القاسم الحريري‏:‏ إن البديع سباق غايات وصاحب آيات‏.‏

وحكي أن صديقاً له كتب إليه يشكو ويقول‏:‏ إن الزمان قد فسد‏!‏ فأجابه البديع‏:‏ أتزعم أن الزمان قد فسد ما تقول لي متى كان صالحاً‏:‏ أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وقد سمعنا أولها أم في الأيام المروانية وفي أخبارها ما يكسع الشول بأغبارها أم في الأيام الحربية والسيف يغمد في الطلى والرمح يركز في الكلى أم في الأيام الهاشمية وعلي عليه السلام يقول‏:‏ ليت لي بعشرة منكم واحداً من بني فراس بن غنم أم في أيام عثمان وقد قام النفير بالحجاز وشخصت العيون من الإعجاز أم في الخلافة العدوية وصاحبها يقول‏:‏ بعد النزول إلى النزول أم في الخلافة التيمية وأبو بكر يقول‏:‏ طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام أم في عهد الرسالة وقد قيل فيه‏:‏ اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية ولبيد يقول‏:‏ أم قبل الجاهلية وأخو عاد يقول‏:‏ بلادٌ بها كنّا وكنّا نحبّها إذ النّاس ناسٌ والبلاد بلاد أم قبل ذلك وقد روي عن أبينا آدم عليه السلام أنه قال‏:‏ تغيّرت البلاد ومن عليها ووجه الأرض مغبرٌّ قبيح أم قبل خلق أبينا آدم وقد قالت الملائكة‏:‏ أتجعل فيها من يفسد فيها فاعلم أن الزمان ما فسد لكن القياس قد اطرد‏.‏

وقال البديع‏:‏ همذان لي بلدٌ أقول بفضله لكنّه من أقبح البلدان‏!‏ صبيانه في القبح مثل شيوخه وشيوخه في العقل كالصّبيان‏!‏ توفي البديع سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة‏.‏

وأنشد عبد الله بن محمد بن زنجويه لنفسه في بعض الصور المطلسمة وقد ذكرنا كل واحدة منها في موضعها بشرحها‏:‏ أأرقت للبرق اللّموع‏.‏

اللاّئح وحمائمٍ فوق الغصون صوادح بل قد ذهلت بليث غابٍ دائباً مذ كان عن همذان ليس بنازح موفٍ على صمّ الصّخور كأنّه يبغي الوثوب على الغزال السّائح شبديز إذ هو واقفٌ في طاقه يعلوه برويزٌ بحسنٍ واضح برويز عن شبديز ليس برائحٍ واللّيث عن همذان ليس بنازح وكذا بتدمر صورتان تناهتا في الحسن شبّهتا ببدرٍ لائح لا يسأمان عن القيام وطالما صبرا على صرف الزّمان الكالح وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة حقّها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين الدّافح وبأرض وادي الرّمل بين مهامهٍ يلقاك قبل الحتف نصح النّاصح طرفٌ هنالك باسطٌ بيمينه أن ليس بعدي مسلكٌ للسّائح خذها إليك مقالةً من صادقٍ فيها عجائب من صحيح قرائح يل ضيعة من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها‏.‏

بها جبل يقال له يله بشم حدثني من صعد هذا الجبل قال‏:‏ رأيت عليها صور حيوانات مسخها الله تعالى حجراً صلداً‏:‏ منها راع متكيء على عصاه يرعى غنمه وامرأة تحلب بقرة ويغر ذلك من صور الإنسان والبهائم مسخ الله تعالى كلها حجراً وهذا شيء يعرفه جميع أهل قزوين‏.‏

وبها عين تخرج من شعب جبل وماؤها غزير حار جداً يجتمع في حوض هناك يقصدها الزمنى والجربى وغيرهم من أصحاب العاهات ينفعهم نفعاً بيناً‏.‏

وأهل تلك البلاد يسمونها يله كرماب‏.‏

 يمكان

مدينة حصينة في وسط الجبال بقرب بذخشان لا قدرة لأحد عليها قهرت الصعوبة مسلكها‏.‏

بها معادن الفضة والبلخش الذي يشبه اللعل حكى الأمير حسام الدين أبو المؤيد بن النعمان أن الحكيم الناصر خسرو تحصن بها وكان ملكاً لبلخ فخرج عليه أهل بلخ فانتقل إلى يمكان لحصانتها واتخذ بها عمارات عجيبة من القصور والبساتين والحمامات‏.‏

وذكر انه نزل في بعض تلك القصور فرأى في إيوان عظيم صوراً وتماثيل تتحرك فمنعه أهل القصر أن ينظر إليها‏.‏

وذكروا أن من ينظر إليها يصاب في عقله أو بدنه‏.‏

وقال‏:‏ كان صغار مماليك ينظرون إليها يخبرون بأشياء تأباها العقول‏!‏ وقال‏:‏ رأيت خلف ذلك القصر بستاناً كنت طول الليل أسمع منه أصواتاً عجيبة لا تشبه أصوات الحيوانات المعهودة منها ما كان طيباً ومنها ما كان كريهاً‏.‏

وحكي أن بها حماماً من عجائب الدنيا من بناء ناصر خسرو لا يدرى كيف بناؤه ولا يصدق السامع وصفها حتى يراها‏.‏

وهي باقية في زماننا وصفتها أن من دخل مسلخها رأى بيتاً مربعاً منقشاً بصور حيوانات لا يرى باب الحمام لكن يرى على حيطانها أربعاً وعشرين حلقة مغلقة فيسأل الحمامي عن باب الحمام فيقول‏:‏ أي حلقة جذبتها ينفتح لك باب الحمام‏.‏

فيجذب إحداها فينفتح باب وتنكسر صورة الحيوان التي على الباب لأن بعضها على الباب وبعضها على الجدار فلهذا لا يعرف الغريب باب الحمام فإذا دخل من باب من تلك الأبواب أيها كان ينتهي إلى قبة على مثال المسلخ إلا أن حلقها سبع عشرة فأي حلقة يجذب يفتح له باب فإذا دخله يفضي به إلى قبة أخرى على مثال ما قبلها إلا أن حلقها اثنتا عشرة فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة على مثال ما تقدم إلا أن فيها تسع حلق فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة إلى مثال ما قبلها إلا أن حلقها سبع حلق وهي القبة الأخيرة أحد أبوابها يفضي إلى الحمام وذلك يعرفه الحمامي‏:‏ فإن فتح غيره يرى نفسه في المسلخ وهو البيت الأول المربع‏.‏وذكر الأمير أبو المؤيد أنه شاهد هذا الحمام مراراً على هذه الهيئة وأنه أشهر شيء بخراسان وهو باق إلى زماننا‏.‏

وإنما صار أمر هذا الحمام مشهوراً بخراسان لأنه عام لا يمنع ان يدخله أحد ويستحم به فيدخله كل أحد للاستحمام ومشاهدة العجب ولا يؤخذ ممن دخله أجرة الحمام‏.‏

وله آلات من السطول والطامات والمآزر والطين والأمشاط والمناشف وجميع ما يحتاج إليه المستحم‏.‏

فإذا استحم وخرج يؤتى له بجلاب ومأكول على قدره ولا يقبلون من المستحم شيئاً وإن أصر على ذلك بل له أوقاف كثيرة وانها بيد أحفاد الناصر خسرو‏.‏

ومن عجائبها أمر آخر وهو أن ثلاثين بيتاً منها يضيء بجام واحد ولا يمكنون أحداً أن يرى سطحها البتة ولا يهتدي أحد إلى كيفية بنائها إلا من عرف ذلك بحقيقة‏.‏

والله المستعان وعليه التكلان‏.‏